الأحد، 22 أبريل 2018

لماذا يرى الناس أن الأرض مُفرِطَة في القِدَم؟

بقلم عالم الجيولوجيا السويدي: Mats Molén - ماتس مولين
ترجمة: هيثم زين  horisonsen@yahoo.se


لقد كانت مسألة ارتفاع عُمُر الأرض بالنسبة إليّ قضية مسلمة أكثر من نظرية التطور نفسها، إلا أنني و بعد إجراء التحريات تأكدت يقينيا بأن نظرية التطور لا يمكن أن تثبت في الواقع، ومع هذا الأمر لم يَرُق لي أن أغير نظرتي حيال عُمُر الأرض. كل شيء كان قد بلغ المليارات من السنين من أعمار عتية جدا، لم يكن ثمة مجال للنقاش! و لكن بما أنني قد درست عِلْمَي الجيولوجيا والفيزياء كان بإمكاني حقا أن أتحرى و أتفحص هذا المجال. بدأت بتردد نوعا ما أن أفحص – متخذا الشك العلمي سبيلي- مسألة: لماذا يتم الزعم بهذا القِدَم الفاحش للأرض؟

فتبين لي بعد ذلك أن النظرة تجاه عمر الأرض مبنية على مذهب فلسفي قديم يرجع أصله إلى القرن الثامن عشر الميلادي! هذه الفلسفة تسمى بالانجليزية (Uniformitarianism) وتزعم بدورها عدم حدوث الكوارث الكبرى على مر الدهور ، وأن كل ما نراه على الأرض قد تشكل ببطئ شديد. لذلك يجب أن يكون للأرض عُمُرا كُبَّارا ! ومن هذا المنطلق وبعد روجان هذه الفلسفة كتب تشارلز داروين بأنه قد تحصَّل لديه المدة في حساب العصور ما يناسب نظريته لتخرج على الملأ بشكل مقبول. في غضون القرن التاسع عشر الميلادي وبعد تلقفهم للنظرية أصبح الناس يبحثون عن أساليب جديدة لقياس عُمُر الأرض بحيث إنها تعطي أرقاما هائلة توافق فلسفة الـ (Uniformitarianism) إلا أنه كان من الصعب عليهم أن يجدوا شيئا يساعدهم في ذلك.

وأخيرا تم اكتشاف الإشعاع النووي واستطاعوا أن يحصلوا به على أعمار تبلغ المئات من الملايين من السنين. وعندها وُضع التسلسل العمري للأرض مع كل تقسيماتها المعروفة كالعصر الكامبري والترياسي و الجوراسي و الكريتي و التِرتِياري ...إلخ. و كل ذلك أتي به من مجرد قياس مفرد. و هذه الطريقة في قياس أعمار الأشياء قد تم اليوم نفي صحتها، و زالت الثقة بالكامل عنها، و مع هذا كله احتفظوا بالقياس الناتج عنها في تقدير عمر الأرض مع الإبقاء على التقسيم الزمني للعصور المذكورة أعلاه. فأين الموضوعية؟ لقد قاموا باختيار نحو ألف قياس زمني من بين مئات الألوف (فقد وجدت بنفسي أرقاما مباشرة من حساب أجري عام 1984م حيث اختير وقتئذٍ 500 قياس زمني من أصل 300000) و رجحوها على البقية بحجة أنها موافقة للنظرية التي هم بها يؤمنون. إلا أن الإشكال الذي يقع لنا هو أنه عندما نقيس بهذه الطريقة جبلا ذا عمرٍ معروف كجبال بركانية قد تشكلت من قبل قرنين، فإن المقاييس تخوننا و تسجّل مع ذلك أرقاما تفوق المليارات من السنين، مع أننا موقنون أن الجبل قد تشكل قبل مئتي عام!


إن الطرق المستخدمة في إثبات الاعتقاد بأن عمر الأرض يناهز 4,6 مليار سنة، تحتوي على تناقضات كثيرة توجب نفي هذه الطرق من أصلها، في الوقت الذي تتمتع طرق الحسابات التي تعطي للأرض عمر الـ 34 مليار سنة -وهذا يناقض بدوره ما يزعمه أكثر العلماء والباحثين من أن عمر الكون أجمع لا يزيد على الـ15 مليار سنة- فهذه الطرق على عجرها وبجرها تتمتع بمصداقية أكبر من التي قبلها. إذًا فإن الزعم بأن الأرض مفرطة في القدم نابع من الفلسفة. ومن وراء ذلك صاروا يبحثون عن طرق حسابات تُقدّم للملأ على أنها حقائق علمية. وهذا سهل الاكتشاف عند استقراء المؤلفات والدوريات العلمية بتدقيق وتفحص.

الطرق القياسية التي تؤيد أن الحياة على وجه الأرض جديدة في ريعان الوجود:

إن الطرق الحسابية التي أهملها ونفاها الباحثون في غضون القرن التاسع عشر الميلادي وذلك لإعطائها أعمارا منخفضة لا تناسبهم و ما هم فيه، قد أثبتت موثوقيتها في الوقت الراهن! بالإضافة لذلك فإن هنالك كثير من الطرق الحسابية الجديدة قد أثبتت أن الحياة على وجه الأرض لا يمكن أن تكون قديمة إلى الحد الذي يظنون، ولكن حتى الكون أجمع فهو جديد في ريعان الوجود. ولن أدخل كثيرا في الموضوع ولكن أشير إلى الجدول الذي ترونه تحت هذه السطور. فإذا تتبعنا كل المعلومات التي لدينا عن طريقة (الكربون 14) فإن النتائج تظهر لنا أن الحياة على وجه الأرض مع كل المستحاثات الموجودة لا يمكن أن يزيد عمرها عن الـ 10000 سنة، بل يمكن أن نتوصل بذلك إلى أن الأرض جميعها ليست قديمة كما يتصورون، وهذا يستتم إذا دخلنا في تفسيرات ليست بأغرب مما يضعه التطوريون حينما يحاولون جعل الأشياء المختلفة تظهر كأنها مطابقة لنظرياتهم في إغراقات من التفسيرات المستبعدة عقلا.


جملة المقارنة
النتائج القصوى
1- سرعة حدوث الطفرات عند البشر
 10,000سنة
2- السرعة للطفرات غير المباشرة عند الحيوانات
 10,000سنة
3- انحلال الأحماض النووية
 100,000سنة
4- طريقة الحموض الأمينية مجردةً عن نظرية التطور
 20,000سنة
5- تكدس الكلس من الهياكل العظمية في أعماق البحار
5 مليون سنة
6- تكدس الترسبات في أعماق البحار
30 مليون سنة
7- عوامل الحتّ القارّي
10مليون سنة
8- تكدس المعادن المكتشفة في المناجم
2000 - 5500 سنة
9- الحمم والرماد البركاني
175مليون سنة
10- تحلل الأملاح من القارات
1 - 32مليون سنة
11- التحولات الباليومغناطيسية
 30,000سنة - 1 مليون سنة
12- طريقة الكربون 14
 5600 - 12500سنة
13- نسبة الضغط في الآبار النفطية
 10,000سنة
14- النقص المستمر في قوة الحقل المغناطيسي للأرض
 15,000سنة
15- كمية الهليوم 4 في الغلاف الجوي
2 مليون سنة
16- تكوّن الدلتا في مصبات الأنهار
5000 سنة
17- تنقل مادة الرصاص في القشرة الأرضية
 300,000سنة
18- تجمد الكميات الكبيرة من الحمم البركانية
3000 سنة
19- التفاعلات الحادثة في جرم الشمس
 7500سنة – 100 مليون سنة
20- مدى حياة المذنبات ذات المدارات الكبرى
 1مليون سنة
21- مدى حياة المذنبات ذات المدارات الدنيا
 10,000 - 100,000سنة
22- تأثير بوينتينج - روبيرتسون
 10,000سنة


هل تاريخ الأرض طويل أم قصير؟

إن أنواعا مختلفة من الحيوانات و النباتات تقع مدفونة كمستحاثات في شتى الطبقات المترسبة من أمثال الرمال والطين المتحجر. إن هذه الحقيقة قد استعملت لتأليف الأعمار الجيولوجية، في حين أنه لا يوجد أي مؤشر يفيد أن هذه الطبقات مع مستحاثاتها قد تكونت في غضون الملايين من الأعوام أو حتى المليارات، هنا قفزت فلسفة القرن الثامن عشر إلى داخل هذا الإطار. و كلما تفحصنا هذه الطبقات الجيولوجية كلما زدنا يقينا أنها آثار للكوارث الطبيعية. و أعداد الباحثين المؤيدين لهذا الأمر في تزايد. فإنه لا يمكن الإيمان بقصة موت الحيوانات والنباتات و هبوطها إلى أسفل الأرض، ودفنها ببطئ شديد إلى أن تتحجر بعد مرور الآلاف أو الملايين من السنين. إن كان هذا البطء صحيحا، لتلاشت كل هذه الحيوانات والنباتات بعد موتها بفعل التفسخ! حتى الأسنان و القشور تتحلل بهذه العوامل. فإذا نظرنا بتمعن في الطبقات التي تحتوي على مجموعات من المستحاثات المحفوظة من التغيرات، مما يسمى بمستحاثات العصر الكامبري إلى الترتياري، نجد ما يلي:

- أولا: ليس هناك من طبقات تتشكل في الأزمان الحالية، مشابهة لهذه الطبقات. فإن الترسبات الحديثة تكون على امتدادات صغيرة من المناطق، وكثيرا ما تكون خليطا من مواد مختلفة، مثل الرمال والطين، ولا تحتوي بتاتا على مستحاثات. وبالعكس فإن الطبقات التي تحتوي عليها تكون غالبا ممتدة على مساحات شاسعة من الأراضي وتغطي غالبا القارات كاملة. وهذه الطبقات تكون في الغالب متمايزة في التركيبة.

- ثانيا: إن الغالبية الكبرى من المستحاثات منتشرة في أرجاء واسعة من كل طبقة مترسبة، وليس فقط في جزء منها. وعندما يُظهرون صورها في المقررات الدراسية ففي الغالب يختارون صور الأحياء المنقرضة أو الغريبة الشكل، لكي تطابق تاريخا تطوريا. في الحقيقة هنالك تاريخ مسجل في هذه الطبقات الترسبية، ولكن ليس كما يصوره الماكرو-تطور: الحيوانات والنباتات التي تعيش في الأعماق هي أقلها قدرة على الحركة وأجسامها تطفو في الماء برداءة . فتجدها مدفونة في أسفل سافلين. وكلما ارتفع بصرك إلى الأعلى في الطبقات المترسبة تجد كائنات تمثل أفرادا تعيش في بيئة أبعد عن مستوى أعماق البحار والتي بدورها تكون ذات حركة أفضل و أجسامها تطفو بسهولة أكثر فوق الماء. وفي الحقيقة فإن 95% من المستحاثات هي من كائنات أعماق البحار، حتى إنك لتجدها مدفونة فوق القارات وفي سلاسل الجبال. وقد قمنا بتجارب بسيطة على جثث حيوانات ميتة، ونتائجها تمثل لنا نفس مسلسل المستحاثات. حيث إن الضفادع (البرمائيات) الميتة في الغالب تنزل إلى قعر الماء قبل جثث الزواحف، والتي بدورها تهبط إلى القعر قبل صغار الثدييات الميتة، وهي أيضا بدورها تغرق قبل الطيور التي قد فارقت الحياة. و هذا كله يماثل تسلسل المستحاثات في الطبقات الراسبية. إن هذا الترتيب يدل و بكل تأكيد على أن الكائنات الحية من حيوانات و نباتات قد ماتت و تم نقلها بتيارات مائية ضخمة إلى حيث تم ردمها بعد ذلك.

- ثالثا: إن الطبقات الراسبية الحاوية على أصناف المستحاثات لتدل وبكل وضوح أن المواد في القسم السفلي من الطبقات السفلية تتكون من الأحجار الكبيرة وكلما نظرت نحو الأعلى في هذه الطبقات تجد أن موادها تدق وتصغر أكثر فأكثر. إن هذه الأغلفة من الرواسب التي يزعمون أنها قد تكونت في غضون عشرات أو مئات الملايين من السنين، لتكشف بدلا عن ذلك كله بأنها قد ترسبت بسرعة تحت تأثير تيارات مائية جبارة قد تلاشت سرعة تدفقها مع الوقت.

- رابعا: في الحقيقة فإن بعض الأمور تحتاج إلى فترة زمنية طويلة للتشكل, كمثل التربة الطبيعية والجبال المتآكلة. إنها تحتاج إلى عشرات إن لم نقل الألوف من السنين لكي تكون على ما هي عليه اليوم. وفوق اليابسة تنتشر وبكثرة هذه الأتربة والجبال المتآكلة، مما يدل على تعرض القشرة الأرضية للعوامل البيئية المؤثرة لمدة طويلة من الزمن. ولكن في باطن هذه القشرة الأرضية المتآكلة حيث نجد الطبقات الحاوية على مستحاثات لا نرى ولا نجد مع إمعان البحث والتنقيب أي أثر لتربة طبيعية أو تآكلات بفعل عوامل البيئة، لا داخل الطبقة ولا بين طبقة وأخرى، مع أن المفروض أن هذه الأغلفة الراسبية ومستحاثاتها تمثل تاريخ 600 مليون عام! وإنما تحت مجموع الأغلفة نجد تربة حقيقية و أثارا للتآكلات الجبلية. فليس هنالك إذًا داخل هذه الطبقات شيء يثبت أنها قد تكونت مع مرور فترة طويلة من الزمن.

الخلاصة المستنتجة من هذه المشاهدت هي ما يلي:
1- في البداية تكونت الجبال والمواد الأولية من تفاعلات أرضية باطنية وليس هناك دليل على أنها احتاجت إلى فترة زمنية طويلة للتكوّن وليس هذا موضع بحثنا.
2- وعلى إثر ذلك تلت فترة طويلة لا ندري الكثير عنها, إلا ما وصل إلينا من نزور يسيرة من أتربة وتآكلات من تلك الفترة.
3- وبعدها تأتي فترة تحصل فيها ترسبات سريعة، حيث تتحرك كميات هائلة من الرمال والطين في خضم طوفان يغطي العالم بأسره. يُدفن في هذا الحدث أعداد كبيرة من الكائنات الحية تحت طبقات وترسبات هائلة، وتتحول بدورها إلى مستحاثات.
4- يتلو من ورائها فترة زمنية طويلة تمتد إلى يومنا الحاضر، تحتوي على آثار لعصر جليدي (هذه الآثار بدورها توحي بأن العصر الجليدي مر سريعا في غضون آلاف من السنين على أكبر تقدير).

إن الذي نراه في الأرض ليجعلنا مرارا و تكرارا نفكر بالكتاب المقدس: في البداية حصل خلق الأرض، ثم تلاها فترة زمنية طويلة ومطمئنة، ثم حصل وقت قصير من الترسبات، التي تمثل الطوفان الذي تحدّث عنه الكتاب المقدس، و بعدها مر زمن طويل إثر انتهاء الطوفان. في الحقيقة هذا شيء بسيط لا يحتاج إلى كثير من التفكير. و على كلٍ فإن الحقائق الجيولوجية و إن لم تكن واضحة كنظيرتها في البيولوجيا، فإنها وبكل صدق تناقض بشكل لا مثيل له أغلب الأفكار التي تطرحها علينا المقررات الدراسية و الإعلام عن تاريخ الأرض.
حتى التفسيرات التي نجدها في الكتب و المقررات عن بداية الكون و عن التاريخ تعاني من مشاكل كثيرة. و لكننا لن نوردها هنا بل نشير إلى ما كتب في هذا الأمر في الروابط التالية: shopen ، و The top 30 problems with the big bang ، و An open letter to the scientific community .

الخلاصة:
إن الكثير مما يقدم إلينا كعلوم طبيعية في الإعلام والمقررات، هي في حد ذاتها تفسير يعتقدون أنها فوق مجال النقد (وهذا ما كنت أعتقده بنفسي فيما مضى). في حين أننا نرى بعضهم لا يجرؤ ولا يريد انتقاد نظرية التطور، نرى البعض الآخر يصد الناس عن استعمال العين الناقدة مع هذه النظرية، وهذا ينافي بدوره الموضوعية العلمية.
إنّ ما توجهه إلينا الحقائق العلمية هو ما يوافق الخلق والتاريخ الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس ( ومع ذلك نستطيع أن نحتفظ لأنفسنا بتفسيرات خاصة لمجريات الأحداث بسبب عدم تعمق الكتاب المقدس فيها).

المصدر: موقع عالم الجيولوجيا السويدي Mats Molén
http://matsmolen.se/index.php?sida=6

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق